المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تاريخ العرب مع الرياضيات


الاستاذ خليل
11-05-2006, 08:08 PM
حينما التفت العرب في أول أمرهم إلى الجهود العقلية في الحضارة الإنسانية اختاروا ، أول ما اختاروا ، العلوم العملية بالإضافة إليهم ، أي العلوم التي كانت ذات فائدة علمية لهم ، في حياتهم الشخصية الخاصة و حياتهم الدينية العامة ، كالرياضيات و الفلك و الطب ، أما الطب فكان به صلاح أبدانهم . و أما الحساب فليستعينوا به على علم الفرائض ( تقسيم المواريث ) و على حساب الأيام و السنين . و أما المساحة فليجدوا بها سمت القبلة و مسالك الحج . و أما الفلك فليعينهم على إثبات رمضان و العيدين و ضبط أوقات الصلوات : لقد انبعثت حاجة العرب إلى العلم من الدين .
ثم إن العرب كانوا أوسع أفقا من أن يجمدوا في مكانهم ، فقد توسعوا في العلوم المختلفة و طرقوا ما احتاجوا إليه في أمور الدين و ما كان زائدا على حاجتهم في ذلك . و كان مدار عبقرية العرب في اتجاههم نحو العلوم الرياضية و الطبيعية على أمرين . أحد هذين الأمرين مقدرتهم العقلية ، فان العلوم الرياضية و الطبيعية تقتضي عقلية جبارة منظمة نقادة مبتكرة .
و الرياضيات و جميع العلوم العددية و الطبيعية تحتاج إلى استعداد فطري طبيعي بالغ و إلى مقدرة عقلية كبيرة ثم إلى جهد منظم متواصل ، و هذا كله يجعل لتلك العلوم صعوبة ليست لغيرها و يجعل البراعة فيها قاصرة على نفر معدودين في الجماعة الواحدة . و لا ريب إن هذه العلوم الدقيقة هي الأساس الذي تقوم عليه سائر نواحي التفكير الحقيقي ، و هي الأساس الذي تقوم عليه الحضارة الصحيحة في التاريخ . فالعرب حينما اتجهوا للرياضيات و الطبيعيات لم يتبعوا الطريق السهل في الحقل الثقافي ، بل الطريق الوعر الشديد ، و لكنهم ذللوه لأنفسهم و لمن جاء بعدهم .
و الأمر الثاني هو الثقة بزعامتهم العلمية . أن من السهل على الباحث في العلوم الرياضية و الطبيعية ، إذا رزق فريحة و قادة و جلدا على إجراء التجارب و ملاحظة دقيقة في الموازنة بين النتائج أن يكتشف أخطاء الذين تقدموه .
لا تضن إن العرب اصلحوا خطيئات بعض صغار اليونانيين . لا إنهم قد تحدوا أكابر مفكري اليونان : لقد اصلحوا نظام بطلموس في الفلك ؛ أما جابر بن حيان و الجاحظ فقد تحديا زعيم الفكر اليوناني ارسطوطاليس ، ثم وقف ابن سينا من رأي افلاطون – العبقري الأول – في النفس موقف المتسائل عن وجه الصحة فيه .غير أن ما فعله العرب لم يكن قادحا في بطليموس و أر سطو و أفلاطون قط ، و لكنه كان بلا ريب يدل على عبقرية صحيحة موازية لما اشتهر عن أعاظم فلاسفة اليونان .