على الوتر

[جعفر الخابوري]

على الوتر
إناث بين أسنان مدارس الأولاد..
لميس ضيف
بضيق مطبق على حنايا الصدر، تكلمن بما يشبه النحيب والتضرع، فيما كتمت محدثتكم بجهد بالغ- ابتسامة لجوجة لا تشفع لرعونتها إلا حقيقة أن شر البلية يُضحك أحيانا..!!

''يضرب تلاميذنا بعضهم بأدوات مختلفة قالت إحدى المدرسات- وذات مرة رمى أحدهم بطاولة على زميله فطارت باتجاهي!!'' .. ''يبعث الأشقياء في الصف قبلاتٍ في الهواء للمعلمة فينفجر زملاؤه ضحكا، فيما تنفجر المعلمة غيظا'' قالت الأخرى بحنق، فيما علقت الثالثة ''ناهيكم عن كم الكلمات البذيئة التي يتلفظ بها الطلبة يوميا في حضرتنا!!''.. ''وطأة المشكلة تتفاقم في مدرستي العامرة بالتحرشات والتجاوزات الأخلاقية والتدخين والتعدي بالضرب، الذي كثيرا ما تنال المعلمة نصيبا منه، كلما كانت في نطاق الاشتباك'' قالت زميلتهن وهي تهز رأسها بحسرة لتردف أخرى شاكيةً حالها وكأنها تكلم نفسها ''أحيانا أعود للبيت وأحملق في السقف ويعلو وجهي الوجوم طيلة اليوم.. أي ذنب اقترفت في حياتي يا ترى لأصبح معلمةً في مدرسة للبنين''!!

كانت تلك لمحات من تذمر معلمات مدارس الأولاد اللواتي يعانين من وضع خاص قد لا نقدره كمراقبين خارجيين- حق قدره.. فالتلامذة يزدادون عتواً وتمرداً جيلاً بعد جيل.. كما إن المدارس لأسباب عدة- صارت تضم بين جنباتها مزيجاً عجيباً من الجنسيات والبيئات والخلفيات الثقافية المتنافرة أحياناً، والتي تجعل السيطرة على الفصل ومشاكله تحديا صعبا بالنسبة للمعلم؛ فما بالكم بالمعلمة!!

أضف إلى ذلك أن كثيراً من هؤلاء التلاميذ ينحدرون من أوساط لا تمثل المرأة فيها سُلطة تُحترم ولا يُنصاع لها بأمر.. لهذا تجد المعلمات يروين بغصة كيف أن حارس المدرسة موقر بالنسبة لبعض التلاميذ أكثر منهن.. كما روين كيف تضيع نصف الحصة أو يزيد في محاولة ضبط الصف دون جدوى، فيما ينهض مشرف التربية الخاصة الذي يزور الفصول أسبوعيا بالمهمة ذاتها في دقائق!!

في شكواهن تؤكد المعلمات أن ضبط الأولاد اليوم سيما أولئك الذين تخطوا الثامنة- يحتاج لجلد وقوة جسدية ونفسية لا يملكنها؛ فكثير من الأولاد يعانون من اضطرابات نفسية تستوجب معالجتهم بالطب النفسي، إلا أن أولياء أمورهم يرفضون الفكرة.. رغم أن الصبي يكون - لاكتئابه واضطرابه- خطرا على نفسه والآخرين!!.. فتراه هادئا شارد الذهن لساعات ثم ينقض فجأة مطبقا على رقبة أحد زملائه أو هائجا يرمي كل ما يقابل.. أو هاجما بالمسطرة على عين زميله..!!! وكل ذلك يستوجب منا مراقبة دائمة لبعض الطلبة تستنفد طاقتنا وتستنزف أعصابنا..!!

أولئك المدرسات يرزحن تحت وطأة عبء لم تختبره قريناتهن في مدارس البنات ودونما تقدير.. فقد وعدن في البدء بامتيازات خاصة أو علاوات أو نصاب أقل لتشجيعهن على التدريس في مدارس البنين.. ولكنهن لم يحظين بذلك؛ لذا فإن جُلهن يطالبن بالنقل سنويا لمدارس أخرى فلا يرتد عليهن إلا رجع أصواتهن؛ فالنقل يخضع لاعتبارات ''غير مؤطرة'' بنظام كما نعلم؛ وما يطالبن به هنا هو تفعيل نظام تدوير المدرسات الذي وعدت به الوزارة مرارا.. ليس من العدالة في شيء أن تبقى مدرسة في هذا الوضع الضاغط لـ8 سنوات متواصلة من دون أن تحظى بفرصة للتغيير!!

كما يطالبن الوزارة بتطبيق المنهج الذي بني عليه نظام الفصل والذي يقضي بوضع مدرس ومدرس مساند في الفصول التي تضم جنباتها 30 طالبا على الأقل يحتاجون لجهد خرافي لضبطهم والالتفات للمتأخرين منهم والمتفوقين والجانحين..!!

وقبل هذا وذاك فهم يطالبن بعين تلتفت إليهن في الوزارة؛ ولأذن تسمع معاناتهن التي تزيد حدةً عاما بعد آخر.
اضف تعليقاً