القدس خارج الاهتمام
 

باختصار
القدس خارج الاهتمام!

لن يبقى من مدينة القدس سوى اسمها وبضع عمارات تاريخية ، اذا ظلت باقية ، من أجل ذكرها في الساعات المطلوبة للذكرى . الفلسطينيون يفقدون مدينتهم التاريخية بالتريج ، والعرب ينسونها بالتدريج ، والعالم لايهمه الأمر اذا كانت مصلحة اسرائيل تقتضي ذلك . أما المسلمون في أصقاع الارض فهم مجرد هتافات في تظاهرات ليوم موعود أو أكثر.
ليست المرة الأولى التي تتعرض فيه المدينة المقدسة الى الاحتلال او الالغاء . لعلها المدينة الوحيدة التي لعب فيها التاريخ لعبة الأخذ والرد . منذ ذلك الزمان الذي قيل عن هيكل سليمان الى يومنا هذا ، تقف المدينة على أوجاع الناظرين اليها بأمل وضعها تحت تصرفهم . قد يكون المسلمون منذ العهدة العمرية التي وقعها الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب مع أهلها أرحم الناس وأكثرهم جدية في اعطائها صفة القداسة وفتح ابوابها لغير المسلمين ماعدا اليهود كما أقرت تلك العهدة. لكن الصليبيين اجتاحوها عبر شلال من الدم ، وأعادها صلاح الدين الايوبي بشلال من الدم أيضا. لكنها المدينة تأسست على حلم جميل ، كل الاديان المساوية لها فيها ذلك الحلم ، الى ان احتلت اسرائيل نصفها العربي عام 1967 ورأت فيه تحقيقا لحلمها ووعدها. وهاهي تنخر المدينة طولا وعرضا ، تحيطها بالجسور والانفاق وتسعى لحلم من صناعة أوهام تريده ان يكون حقيقة ، بل هي تمتلك المدينة وتقبض على هوائها وتمنع حتى نوعية الطيور التي لاتلائمها.
تغيرت القدس كثيرا منذ عام الاحتلال حتى انتفخت بما ضم اليها . تعتد الدولة العبرية بالمدينة باعتبارها عاصمة أبدية لها ، ويصر الفلسطينيون على انها عاصمة دولتهم المنتظرة التي مازالت كلاما وسرابا. وأما الاجيال العربية والاسلامية التي تغيرت احلامها منذ واقعة ذلك الاحتلال ، فهي مازالت على حلم القدس الذي توارثته عن أجيال سبقت ، لكن المعنى يظل ذاكرة مثقوبة اذا لم تسندها الرؤية العينية.
في احدى جلسات الدفاع عن القدس سأل صحافي مرجعا: وماذا لو دمر المسجد الاقصى ؟ تلعثم المجيب لكنه عاد وضبط أنفاسه وقال كلاما حارا أشبه بنشيد او بعض الاعمال المرئية عن المدينة او الكتابات المتكررة حولها . الخوف على المسجد الرمز والمدينة الرمز حقيقي ومعروف من قبل أرفع مسؤول إسلامي الى أصغر موظف والى كل القطاعات الأخر . سمعت عشرات المقابلات خلال الايام القليلة الماضية عن القدس ، وكلها مزودة بمعلومات عما صارت اليه ، ممزوجة بخوف واضح من التحول الذي تشهده المدينة التي تفقد سمتها التاريخية وتكاد ان تضيع هويتها . ويبدو ان المخططين الاسرائيليين الذين ينفذون التغيير بالتقسيط ، يريدون الوصول الى النقطة الأهم: مستقبل المسجد الاقصى.
لايمر يوم والا والقدس حاضرة في أكثر من خبر او تعليق .. ويبدو ان سايكولوجية تكرار الكلام عن مكان مهما كان عظيما يفقده الألق ، فكيف اذا كان المحتل الاسرائيلي قد شرع الابواب وبالتقسيط أيضا للنهاية المتوقعة للمدينة التي تتساقط ، بانتظار رمزها الأكبر ! ..